الكتابة الإبداعية: موهبة أم مهارة قابلة للتعلم؟

يدور الجدل دائمًا بين أن الكتابة موهبة يولد بها الكاتب أو مهارة يمكن تعلّمها مثل أي فن آخر. في هذا المقال نستعرض العلاقة بين الموهبة والتعلّم في الكتابة الإبداعية، وكيف يمكن للقراءة أن تصقل الحس الأدبي وتغذّي خيال الكاتب. نتحدث عن أهمية اختيار الروايات العظيمة، مراقبة تطور الشخصيات، تعلم الحوارات من

تقنيات الكتابةمقالات عامة عن الكتابة

مآرب قستي

9/25/20251 دقيقة قراءة

photo of white staircase
photo of white staircase

هل الكتابة الابداعية موهبة أم مهارة؟

يدور في عالم الكُتاب صراع دائم، البعض يؤمن أن الكتابة موهبة تنمو مع نمو الكاتب تصقلها القراءة والممارسة، لكن أصلها يعود إلى موهبة الكاتب الدفينة، والتي مع البيئة المناسبة والعمل الدؤوب تتحول إلى إبداعات فنية يمتدحها النقاد فيما بعد، ويحللها الطلاب في حصص الأدب.

الرأي الآخر يقول إن الكتابة كبقية الفنون مهارة يمكن اكتسابها، كما يدرس الرسام في كلية الفن قوانين الأبعاد، وزنية ملامح الوجه، وتناسق الألوان مع بعضها. يمكن للكاتب أن يدرس إلى حد ما أساسيات تكوين القصة، صناعة الحبكة، وابتكار شخصيات واقعية.

في بعض البلدان يوجد من يستثمر الكثير من الجهد والمال لكي يلتحق بكلية لتعليم الكتابة الإبداعية، لكي يجد منظومة متكاملة لتعلم الكتابة. يسخر هـؤلاء الأشخاص أنفسهم لتعلم صناعة الأدب، على أيدي خبراء قضوا سنين عديدة من حياتهم وهم يحللون النصوص ويستخلصون العلم. وبعد ذلك اقتاتوا على القاء المحاضرات، وتنفيذ ورشات العمل لصقل أعمال الآخرين. يستحيل أن نقول أن كل تلك الكليات القائمة على ميزانيات ضخمة، هي في الحقيقة عبث.

ولكن أجد في مجتمعاتنا الكثير من المعارضين الذين يعتقدون أن تعليم الكتابة الإبداعية أمر مستحيل.

إن جميع المقالات الموجودة على هذا الموقع هي دون شك تميل إلى إمكانية تعلم الكتابة الإبداعية، ولكن ما نحاول توضيحه في هذا المقال هو أن تعلم الكتابة يتطلب حسًا أدبيًا كبيرًا. على الرامي أن يعلم لأي مكان يسدد لكي يصيب، والمثل ينطبق على الكاتب, عليه أن يمتلك ذائقة أدبية رفيعة لكي يطمح لبلوغه.

عندما توجد هذه الحاسة لدى الكاتب يمكنه بعد ذلك تطبيق بعض النصائح أو ترك بعضها حسب ما يراه مناسبًا لقصته. ففي النهاية قوانين الفنون ليست مطلقة ويمكن كسرها إذا ما علم الفنان ما يفعله.

كيف يتطور الحس الأدبي لدى الكاتب؟

إن قواعد الكتابة الإبداعية قد استخلصت دون شك من الأعمال الأدبية ذاتها، عندما نقرأ تلك الأعمال الخالدة ونرى كيف يوظف الكاتب أسلوبه ليخدم القصة، نتعلم شيئًا فشيئًا كيف نوظف أسلوبنا الخاص والأدوات التي نمتلكها لكتابة قصة يشيد العالم بها.

وإن تأملت من حولك، فلن تجد كاتبًا موهوبًا لم يكن قارئًا نَهِمًا في بداياته. يتطلب تطور الحس الأدبي سنينًا عديدة من القراءة والاطلاع، ولكن هذه المرحلة مهمة للغاية لجعل الكاتب كاتبًا.

إن قراءة عمل فني أشبه بتذوق أكلة شهية، مع كل لقمة تأكلها تتمنى أكثر لو كان بإمكانك إعدادها بنفسك لتذوقها بشكل دائم، ويشابه أيضًا حال الرسام المبتدئ عندما يشاهد لوحات المحترفين تزين المعارض الفنية، ويعمل بجد ليصل لمهارتهم يومًا ما ويرسم لوحات تشبهها. فالإنسان بطبعه يطمح إلى تقليد ما يُعجبه، أو مقاربته بأسلوبه الخاص.

لذلك استهدف الروايات العظيمة أكثر من غيرها، ولكن لا تنسى في نهاية الأمر أن على القراءة أن تكون عملًا تستمتع بفعله، لذلك لا مانع من قراءة أي عمل تراه مذهلًا. تتغير الذائقة مع تغير العمر والظروف ولا بأس في أن تتماشى مع ذلك، ستصل ذات يوم وبشكل تدريجي إلى مرحلة ترضيك من الحس الأدبي.

هل يمكننا تعلم الكتابة الإبداعية؟

بعد أن تقرأ العديد من الروايات والأعمال الأدبية يمكنك أن تبدأ بملاحظة ما بين السطور، بالتحديد سوف تستطيع أن تستخلص بنفسك تلك الدروس - التي تدفع المال مقابلها - من الكتاب الذي يقع بين يديك. وهذا ما سنتناوله في هذا المقال. ولكن بالطبع لا مانع في أن يمليها عليك أحدهم اجتهد في استخراجها.

كيف تقرأ الكتاب ككاتب؟

أولًا: اقرأ بتمعن.

مع كل الكتب التي كُتبت في عصرنا وفي العصور السابقة، من السهل جدًا أن تشعر بضرورة ملحة لقراءة ما بين يديك بسرعة قياسية لكي تجد وقتًا للكتب الأخرى خلال فترة حياتك.

إن وجود أساس لغوي جيد ومعرفة بسيطة بتقنيات الكتابة سيساعدك بالطبع على فهم ما يجري بين النصوص، لذلك فإن قدرتك على تحليل النص واستخلاص الأسلوب سوف تتحسن مع الوقت.

بالإضافة إلى أن استيعابك للمادة المقروءة هو فعل تتفرد به عن سواك، ولن تجد من يفهم النص تمامًا كما تفهمه ويستخلص منه ما تستخلصه أنت. لذلك مهما أملى لك الناس، وحلل النص رجال الأدب يبقى دماغك فريدًا في تفسيره وربطه للقصص، وهذا يعتمد على طريقة تفكيرك، مرحلتك العمرية، ظروفك المحيطة، وأمور أخرى كثيرة.

ثانيًا: دقق في تطور الشخصيات.

العنصر الانساني مهم للغاية عندما نحاول سرد رواية، فالشخصيات الروائية مثلها مثل الشخصيات الحقيقية تتغير مع تغير الظروف ومواجهتها للتحديات. لا يجب أن تنتهي الرواية والشخصية الرئيسية كما هي لم تتحرك شبرًا.

مثال: " فتى في مقتبل العمر، متفوق، خلوق، وموهوب. يطمح للمزيد من التفوق لكي ينضم إلى أفضل الجامعات في المنطقة ولكي يبهر والديه ويحصل على رضاهم. تنشأ بينه وبين أخاه المشاجرات بشكل دائم، وأخته تثير حفيظته ومن ثم تهرب إلى والديها وتشكو لهم ما فعل، وبالمقابل يدافع الوالدين عنها وينهران فعله، ويعود إلى غرفته مغتاظًا وينغمس في المذاكرة. يرى التمييز في معاملة والديه لإخوته رغم تفوقه الدائم وهذا ما لا يفهمه.

يومًا ما تذهب أسرته ضحية حادث مروع، ويبدأ في النظر للأمور من نظرة مختلفة، يفتقد أسرته التي لم يفهمها يومًا، وتدفعه الوحدة إلى الاكتئاب، ومن ثم يفقد رغبته في الاجتهاد وتحصيل الدرجات أو ربما لأنه فقد السبب الذي كان يجتهد لأجله. لا ينتهي به الأمر إلى دخول أفضل الجامعات، ولا يتخرج بمرتبة شرف، وتبدأ أخلاقه في التدهور حتى يبتعد عنه الناس. إن تغيره متوقع لأنه بشري يتأثر بالظروف، بل سيكون من غير الطبيعي أن يبقى كما هو."

هذا مثال مبتذل للغاية لكنه يوضح التغير الذي يطرأ على الشخصيات تبعًا للظروف المحيطة، وقد لا يكون التغير جذريًا كما هو في المثال، بل قد يكون مبهمًا يؤثر على الشخصية من الداخل دون أن يغير مستقبلها. وقد لا يكون الظرف بهذا الحجم، قد تكون محادثة مؤثرة مع أحدهم، أو منظر يشاهده من بعيد.

تتبع المواقف وأنت تقرأ ولاحظ آثارها على الشخصيات. يخطئ الكثير من الكتاب المبتدؤون ويجعلون تطور الشخصية لا يلائم الحدث الذي يسبقه، كأن يكون مبالغًا فيه أو لا يتماشى مع الشخصية التي بناها في بداية الرواية، مما يجعل القصة غير منطقية.

تطور الشخصيات ضروري لكن يجب أن يتم بالطريقة الصحيحة.

ثالثًا: كيف تُجرى المحادثات.

نحن نتعلم التحدث عن طريق مشاهدة البالغين يتحدثون حولنا ونحن أطفال، ومن ثم نبدأ بالتطبيق ومع مرور الوقت ندرك ما هو مناسب للقول وما يجب الامتناع عن قوله. الأمر لا يقتصر على الجزء اللغوي من الكلام، بل حتى آداب الحديث مع الكبار، واختلاف الحديث حسب المناسبة، ومراعاة الحالة العقلية والجسدية لمن أمامنا. كل تلك الأمور نتعلمها من خلال الحديث.

ورغم أن المحادثات في العمل الأدبي يجب أن تكون واقعية ألا أنها ليست طبق الأصل منها، وليس كل ما يقال في الحياة الواقعية يناسب العالم الروائي. تحدثنا في مقال سابق عن الاختلافات في الحوارات بين العالم الروائي والحقيقي يمكنك قراءته من خلال النقر هنا (كيف تكتب حوارات واقعية لروايتك؟)

اقرأ الحوارات في رواياتك المفضلة، وتأمّل كيف نجح الكاتب في إيصال صوت الشخصية التي أحببتها.

رابعًا: لا بأس أن تنتقد.

إن كنت قارئًا فبالتأكيد ستمر خلال فترة حياتك على كتب لا تستحق القراءة من وجهة نظرك، ولكنك قرأتها على أية حال. على الأقل حاول الاستفادة مما قرأته لكيلا يضيع وقتك هباءً.

حاول أن تحدد تلك الأمور التي وجدتها سيئة في الرواية وتعلم ألا تكتب مثلها. ربما كانت الشخصية مسطحة للغاية وغير واقعية، ربما لم يعجبك تطور الشخصيات، الخاتمة أتت من العدم أو وليدة للصدفة، أو أن القصة بطيئة للغاية.

حاول بعد ذلك أن تحدد ما الذي جعل الخطأ هذا جليًا أمامك، هل هي أخطاء في الوصف الأدبي؟ تسارع غير موزون للأحداث؟ حوارات طويلة ولا تضيف للقصة شيء؟ اختيار وجهة النظر التي يحكي من خلالها؟ بناء خاطئ للقصة والحبكة والاعتماد على المصادفات لمتابعة القصة؟ ...إلخ

قد لا تستطيع تحديد الخطأ بشكل دقيق أو سبب حدوثه بسبب قلة خبرتك ولا بأس في ذلك. مع قراءة المزيد من الروايات ستبدأ بالمقارنة ومعرفة الأخطاء بسهولة.

كانت هذه بعض الأفكار حول كيفية تعلّم الكتابة من خلال القراءة. نتمنى أن يكون المقال قد نال إعجابكم.

مقالات قد تساعدك لفهم النصوص الأدبية (مقدمة للوصف الأدبي)، (وجهات النظر في الكتابة الإبداعية).

الكتابة بين الموهبة والتعلّم: كيف تطوّر مهاراتك وتصبح كاتبًا عبر القراءة؟
الكتابة بين الموهبة والتعلّم: كيف تطوّر مهاراتك وتصبح كاتبًا عبر القراءة؟

ابدأ رحلتك ككاتب اليوم

دورة مجانية: حول كتابك من الفكرة إلى المسودة في ٧ أيام

انضم إلى الدورة المجانية عبر البريد الإلكتروني وتعلّم خطوة بخطوة كيف تنتقل من فكرة بسيطة إلى أول مسودة حقيقية خلال أسبوع واحد فقط.

لا تحتاج خبرة سابقة، ولا وقت طويل. كل ما تحتاجه هو ١٠–٢٠ دقيقة يوميًا.

الأسئلة الشائعة 

1. هل الكتابة موهبة أم مهارة يمكن تعلّمها؟
الكتابة تحتاج مزيجًا من الحس الأدبي الفطري والممارسة المنظمة، والقراءة الواعية تساعد على تطويرها.

2. كيف تساعد القراءة على تحسين مهارات الكتابة؟
من خلال ملاحظة الأسلوب، تطور الشخصيات، الحوارات، وبنية القصة، يمكن للقارئ أن يتعلم كيف يكتب بشكل أفضل.

3. هل يمكن تعلم الكتابة الإبداعية بدون دراسة أكاديمية؟
نعم، الكثير من الكتّاب طوروا مهاراتهم عبر القراءة المكثفة والتجربة العملية.

4. كيف أقرأ الكتاب ككاتب وليس كقارئ عادي؟
اقرأ بتمعّن، لاحظ بناء الشخصيات، الحوارات، تطور الأحداث، وحاول تحليل الأخطاء لتتجنبها في كتاباتك.