أسرار كتابة الحوارات في الرواية
تعلّم كيفية كتابة الحوارات الواقعية في الرواية بأسلوب يجذب القارئ ويشعره بمشاعر الشخصيات. اكتشف خمس خطوات أساسية للنجاح في كتابة الحوارات وفرقها عن الحياة اليومية. تجنب الأخطاء الشائعة وحقق التوازن بين الواقعية والجاذبية الفنية.
تقنيات الكتابة
مآرب قستي
9/25/20251 دقيقة قراءة


أهمية الحوار في الرواية
تعتبر الحوارات من أهم العناصر في الرواية ليس فقط لأنها طريقة لتوضيح الأحداث وحسب، بل أيضًا لأنها تمنح الشخصيات صوتها وتوصل للقارئ مشاعرها ودوافعها. فهي تساهم في بناء الرواية، وتقوم بدور محوري في تطوير الحبكة وتقديم الشخصيات بشكل واقعي ومؤثر.
عندما يتم صياغة الحوار بدقة، يصبح بمثابة نافذة لإظهار العلاقات المعقدة بين الشخصيات. يمكن للحوار أن يُظهر الصراع، التوتر، أو حتى الألفة بين الأفراد، مما يُعمق فهم القارئ لعالم الرواية. كما أن الكتابة الجيدة للحوار تعزز الواقعية، حيث تتيح للقارئ الاستماع إلى "أصوات" الشخصيات وكأنهم يتحدثون أمامه. هذه التجربة التفاعلية تساعد على إضفاء عمق ملموس على النص الأدبي، وتُشعر القارئ بأنه جزء من القصة.
علاوة على ذلك، يمكن للحوار أن يُستخدم لنقل المعلومات بطريقة غير مباشرة. بدلاً من استخدام السرد المباشر، يمكن للكتاب استخدام المحادثات بين الشخصيات لتقديم تفاصيل مهمة تتعلق بالحبكة أو السياق التاريخي. هذا الأسلوب لا يُثري النص فقط، بل يُبقي القارئ مشدودًا إلى الأحداث ويشجعه على الاستمرار في القراءة لفهم المزيد.
تختلف الحوارات وطريقة التعبير حسب المزاج، والعِرق، والمنطقة، والخلفية، والظروف، والمكانة الاجتماعية. لذلك كما يتضح من المهم أن يعبر الحوار عن كل هذه الأمور ويضعها في الحسبان لكي يبدو واقعيًا وقابلًا للتصديق.
من الشائع أن يذكر الكاتب أن الدموع انهمرت أثناء الحديث، أو أن الشخصية غضبت وبدأت برمي الأشياء، ولكن قد يصل الاتقان في الحوار إلى درجة تنعدم فيها الحاجة للتوضيحات التي تسبق أو تتبع الحديث، ويصبح وصف هيئة الشخصية الخارجي وانفعالاتها مجرد مكملات للمشهد.
بشكل عام، الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل بين الشخصيات، بل يلعب دورًا حاسمًا في تطوير الحبكة وإبراز الشخصيات. عند استخدامه بشكل مدروس، يصبح الحوار عنصرًا حيويًا يمكنه أن يُحرك القصة ويساهم في ظهور تفاصيل فريدة تعزز من تجربة القراءة.
في هذا المقال سوف نناقش خمس خطوات مبسطة لكتابة حوار فعال، يضيف للرواية والسرد القصصي:
كيف تكتب حوارات واقعية لروايتك؟
أولًا: الهدف من الحوارات:
1- طريقة لعرض الأحداث بشكل موضوعي: الحوار هو أحد الطرق التي يمكننا استخدامها لتطبيق مبدأ (أرنا ولا تخبرنا) أو (show don’t tell) . فمن خلال الحوار يستطيع القارئ معرفة إلى أي نوع من الأشخاص تندرج الشخصية. يستنتج القارئ من كلام الشخصية اللئيم أو الأناني تلك الصفة دون أن تخبره بها مباشرة. وهكذا نتعرف على بعضنا في الحياة الواقعية، نحن نحكم على بعضنا من خلال الحوارات والتصرفات لا من خلال صوت يهمس في أذهاننا.
2- يعطي الجو العام للرواية: هو أحد العوامل التي تضبط الجو، إن الحوارات التي تستخرجها من كتاب رعب تكون مريبة ومفزعة، بينما تتميز الحوارات في الروايات البوليسية بالغموض، والرومانسية بالدفء والمشاعر... وهكذا.
3- يحرك القصة ويكشف الأحداث: يكشف المتحري عن ملابسات القضية من خلال الحوارات، وقد يكتشف الرجال خيانة زوجته من خلال محادثة يسمعها صدفة وهو يعبر الرواق. وتكون هذه الاكتشافات محركًا للقصة وتنتج عنها تبعات تؤثر مجرى الأحداث.
4- يزيد من سرعة التقدم: يعمل الوصف على إبطاء التقدم، أما الحوارات والسرد فهما يسرعان من تسارع الأحداث. والتوازن مطلوب لكتابة قصة موزونة. للمزيد عن هذا الموضوع اطلع على مقال (مقدمة في الوصف الأدبي).
ثانيًا: العوامل التي تؤثر على الحوار:
1- العِرق: تختلف الأعراق ومعها تختلف الثقافات وطُرق التعبير. إن التعبير عن الحزن والجزع باللطم وشد الشعر والتهاوي للأرض أمر شائع لدى المجتمعات العربية، إلا أنك لن تجد هذا يحدث في أوروبا بشكل طبيعي دون أن يستغربه أحد. وإن كنت تفتقر للمعرفة عن عِرق معين وتود الكتابة عنه، من الأفضل أن تستقطع بعضًا من الوقت للبحث قبل المباشرة بالكتابة.
2- الخلفية العائلية: يصعب علينا أن ننكر أن التصرفات يحكمها الانضباط الاجتماعي، في الغالب يتحتم على الأطفال الأصغر سنًا احترام إخوتهم الأكبر سنًا، ويعامل الوالدين أولادهم البالغين بطريقة مختلفة عن معاملتهم للرضع. بعض الأطفال ينشؤون على الحرية في التعبير عن المشاعر بينما ينشأ آخرون على التكتم وعدم إبداء المشاعر، وكل هذه الأمور تظهر من خلال الحوارات.
3- المنطقة: كما نعلم فلكل منطقة لهجتها الخاصة بها، ولابد من وجود اختلافات في الحديث من منطقة لأخرى، فإن لم تكن في اختلاف النطق فسوف تكون بأسلوب الكلام أو المصطلحات المستخدمة...إلخ. ولكن حتى مع وضع كل هذه الأمور في الحسبان فإن إظهار اللهجة من خلال النص أمر صعب للغاية، خاصة أن استخدام اللغة العامية في الروايات أمر غير محبذ. ولكن يمكنك إظهار المنطقة من خلال المواضيع التي يتم التحدث عنها، والعادات التي يتميز بها أهل هذه المنطقة.
4- الجنس: يختلف الذكر عن الأنثى في التعبير لأسباب كثيرة، اعتاد الناس رؤية الأنثى تبكي وتفصح عن مشاعرها، ولكن الذكر يُربى على الصلابة واحتباس المشاعر. كما يميل الرجل إلى كونهم أكثر تنافسية مقارنة بالنساء. إن التفكير في ذلك ودراسة أنماط الحديث لدى الذكر والأنثى قد يجنبنا كتابة شخصيات يطلق عليها أنثى وتعطي انطباع الرجال والعكس.
5- الخلفية العلمية: لا يتكلم العالم بمفردات بسيطة وسطحية مثل رجل لم يتلق تعليمه قط، خاصة إن كانت الرواية تتناول قصة علمية معقدة.
6- الظروف: حتى أكثر الأشخاص حلمًا وحكمة يفقد أعصابه إن وُضع في ظروف قاسية، ولا نتوقع من أحدهم أن يرى حريقًا يشب أمامه ويظل ساكنًا دون رد فعل بينما تتأجج النيران وتنتشر، إلا بالطبع إن كان مريضًا نفسيًا يشعل الحرائق لمجرد المتعة. ضع نفسك مكان الشخصية وتوقع ردة الفعل الطبيعية للظروف حتى تكون أكثر واقعية.
ثالثًا: الفرق بين الحوار الأدبي والواقعي
من المهم أن نتبين الفروقات بينهما لكيلا نقع في الأخطاء الشائعة لكتابة الحوارات. يوجد خط رفيع بين كون الحوارات واقعية، وواقعية أكثر من اللازم.
الرواية عمل فني، والواقعية فيها لا تعني نسخ الحياة بحذافيرها. بل تعني اختيار ما هو جوهري، وصياغته بشكل جذّاب وواضح.
الفروقات ما بين الحوارات الواقعية والحوار في الرواية:
1- الرواية عمل أدبي، على الحوارات أن تكون مصقولة ومصاغة بشكل جمالي ومتماسك. ابتعد عن اللغة العامية والركيكة فهي غير محبذة حتى وإن كانت معبرة عن الخلفية الاجتماعية والبيئة المحيطة.
2- ابتعد عن التكرار، قد يميل الشخص المصدوم عاطفيًا إلى تكرار الجمل والأفكار مرارًا وتكرارًا لفترة من الزمن حتى يتجاوز الأمر، لكنك لا تستطيع تكرار الكلمات عندما تقوم بعمل أدبي لتعطي نفس التأثير. وإن اضطررت للتكرار فقم بذلك 2-3 مرات واكتفي بذلك. التكرار ينطبق أيضًا على النواحي الأخرى من الرواية، إذا قمت بوصف شيء أو تضمينه في السرد فلا حاجة لذكره بين الحوارات مرة أخرى، إن كان هدفك تعريف القارئ بالشيء فقط حصل ذلك من ذكره مرة واحدة لا داعي من تكراره في أكثر من مكان وبصيغ مختلفة.
"انعدام التعبير لشخصية ثرثارة قد يكون دلالة على غلبة العاطفة وفقد المقدرة على التعبير"
3- ليس كل ما يُقال عادة يُكتب. يمكنك تخطي الأمور البديهية التي لا تضيف إلى الرواية شيئًا، مثل: التحية التي يلقيها أحدهم عندما يلتقي بشخص يعرفه. ذلك أيضًا ينطبق على الأفعال، إن إغلاق الباب يستدعي عدة خطوات (السير تجاهه، الوقوف أمامه، ومن ثم رفع اليد ووضع المفتاح في القفل وتحريكه، وبعد ذلك إخراج المفتاح والعودة) ولكنه أمر بديهي يستطيع القارئ فهمه بمجرد كتابة جملة (أقفلت الباب)
4- الحوار في الرواية أكثر وضوحًا. لاحظ عندما تجالس شخصًا تعرفه تمام المعرفة وتحادثه عن طفله على سبيل المثال، يمكنك ذكر اسم طفله مرة واحدة ومن ثم إجراء المحادثة كاملة بجمل مقتضبة دون شرح، ويستطيع الطرف المقابل فهمك ومبادلة الحديث إذا كان على وفاق معك ويعلم مسبقًا ما تتحدث عنه. أما في الروايات فلا تستطيع الاكتفاء بذكر اسم مجرد ما لم تعرف به مسبقًا أو تنوي التعريف به في صفحات تالية. ولا تستطيع أن تشير للأمور بهذا وتلك وهذه دون تحديد المواضيع بشكل دقيق وجعلها واضحة للقارئ. مثال لمحادثة مختصرة قليلة الإيضاح:
" هل قمت بتجهيز ما طلبته؟"
"نعم."
"حسنًا، فلنتلقي في المكان المعتاد"
لن يستطيع القارئ الاستفادة من الحوار ولا استخلاص شيء مفيد يعينه على فهم القصة، وهذا يجعل الحوار غير ضروري يمكن للرواية أن تتم دونه. يمكنك بالطبع كتابة حوارات مبهمة إن كانت الشخصيات التي تقيم الحوار عبارة عن مجرمين يخططان للجريمة لإضافة عامل الإثارة والتشويق، ولكن بشكل عام على الحوارات أن تكون واضحة.
رابعًا: مع من تنفتح الشخصيات؟
يكشف الحوار مع الشخصيات المختلفة طبيعة العلاقة بينهم. فالرجل الذي يبوح بكل شيء لزوجته بالتأكيد على علاقة وثيقة بها، على عكس الرجل الذي لا يخبر زوجته بشيء.
ويختلف نوع الحديث الذي ينشأ بين الأصدقاء عن ذلك الذي يجري بين المراهق ووالديه. وهكذا تختلف كل شخصية في طريقة تعبيرها وإلى من تعبر، ومهمتك أنت ككاتب أن تُظهر هذه العلاقات بين الشخصيات بشكل سلس من خلال الحوارات.
بالنسبة للشخصيات الكتومة التي لا تتحدث مع أحد أو ليس لديها أحد للتحدث إليه، ابتكر طريقة لجعلها تتحدث مثل كتابة المذكرات، أو التحدث لمعالج نفسي، أو حيوان أليف... إلخ.
خامسًا: الأخطاء الشائعة في كتابة الحوارات:
1- المبالغة: المبالغة في التعبير تفقد المشاعر مصداقيتها وتحولها إلى كوميديا أو دراما.
2- العبارات المبتذلة: إن كانت الجملة مستخدمة بشكل مفرط في الكتب والسينما حتى تشبع الناس بها وفقدت أصالتها، يفضل الاستعاضة عنها بجملة أخرى. مثال: قد أعذر من أنذر، ستندم على فعلتك. للمزيد عن العبارات المبتذلة اطلع على مقال (مقدمة في الوصف الأدبي).
3- جعل الشخصية تلقي خطاب وتتحدث بإسهاب. قد تُلقي إحدى الشخصيات خطابًا مرة خلال الرواية لأن وظيفتها تعتمد على ذلك، لكن إطالة الحديث دائمًا قد يكون مملًا للقارئ. إن كنت تريد إطالة الحديث تأكد أن كل كلمة تُقال تضيف شيئًا للقصة على أقل تقدير لكيلا يمل القارئ عبثًا.


هذه كانت هي النقاط الخمسة لكتابة حوارات واقعية، نتمنى أن يكون المقال قد نال على إعجابكم.
وإن أعجبك المقال وتريد المزيد اطلع أيضًا على مقال أخطاء يرتكبها المبتدئون في كتابة القصص والروايات

ابدأ رحلتك ككاتب اليوم
دورة مجانية: حول كتابك من الفكرة إلى المسودة في ٧ أيام
انضم إلى الدورة المجانية عبر البريد الإلكتروني وتعلّم خطوة بخطوة كيف تنتقل من فكرة بسيطة إلى أول مسودة حقيقية خلال أسبوع واحد فقط.
لا تحتاج خبرة سابقة، ولا وقت طويل. كل ما تحتاجه هو ١٠–٢٠ دقيقة يوميًا.
الأسئلة الشائعة
1. كيف أكتب حوارًا واقعيًا في الرواية؟
لكتابة حوار واقعي ركّز على طبيعة الشخصية، خلفيتها الاجتماعية، والظروف التي تعيشها. اجعل الحوار يعكس مشاعرها ودوافعها بدلًا من مجرد نقل كلام مباشر.
2. ما الفرق بين الحوار في الرواية والحوار في الحياة اليومية؟
الحوار في الحياة قد يكون مملًا ومليئًا بالتكرار، أما في الرواية فيجب أن يكون مركزًا، واضحًا، ويخدم القصة، مع الحفاظ على لمسة واقعية تشبه الحياة.
3. ما الأخطاء الشائعة في كتابة الحوارات؟
أبرز الأخطاء: المبالغة في التعبير، استخدام عبارات مبتذلة، الإطالة بلا هدف، وكتابة تفاصيل بديهية لا تضيف للقصة شيئًا.
4. هل يجب أن أكتب الحوارات باللهجة العامية؟
الأفضل استخدام العربية الفصحى المبسطة، مع الإشارة لاختلاف الخلفيات أو اللهجات من خلال المواضيع التي يتحدث عنها الأبطال، لا من خلال النص المكتوب.
5. كيف أجعل الحوار يحرك أحداث الرواية؟
اجعل كل حوار يكشف معلومة جديدة، أو يبني علاقة بين الشخصيات، أو يضيف عنصر تشويق. إذا لم يغيّر الحوار شيئًا في القصة فغالبًا لا داعي لوجوده.
6. كيف أوازن بين السرد والوصف والحوار؟
الوصف يبطئ من وتيرة الأحداث بينما الحوار يسرّعها. الأفضل المزج بينهما بشكل متوازن: مشهد وصفي قصير يتبعه حوار يكشف النقاط الأساسية.
© 2025 MaribBlogs – جميع الحقوق محفوظة.