الوصف الأدبي وأهميته في تجربة القارئ

يُعد الوصف الأدبي من أهم عناصر السرد التي تمنح النص قوة وتأثيرًا. فهو لا يقتصر على تزيين الكلمات، بل يحوّل القصة من مجرد سرد أحداث إلى تجربة حسية متكاملة يعيشها القارئ بكل تفاصيلها. من خلال الوصف يستطيع الكاتب أن يجعل القارئ يرى المكان، يسمع الأصوات، ويشعر بمشاعر الشخصيات. ولذلك يُعتبر الوصف أداة جو

تقنيات الكتابة

مآرب قستي

5/8/20241 دقيقة قراءة

مقدمة في الوصف الأدبي: كيف تجعل النص أكثر عمقًا وتأثيرًا

يُعتبر الوصف الأدبي أحد أهم عناصر السرد في الرواية والقصة القصيرة. فمن خلاله يتحول النص من مجرد سردٍ للأحداث إلى تجربة حسية كاملة تُثير خيال القارئ وتجعله يعيش داخل النص. الوصف ليس مجرد إضافة جمالية، بل هو أداة أساسية تمنح النص حياة وتجعله متفردًا عن السرد المباشر.

يخرج الوصف الأدبي بشكل تلقائي لمعظم الكتاب فهو يتواجد في كل القصص والروايات التي قد تصلها يديك، وإن اتبع الكاتب ما يقرأه واستخدمه كدليل للكتابة فسوف ينتهي به الأمر لاستخدام الوصف بشكل أو بآخر.

نحن لا نتساءل عن سبب وجوده ونعتبره من البديهيات في الكتابة، وهذا يدل على أهميته القصوى. ورغم كون الوصف الأدبي بديهيًا في كثيرٍ من الأحيان إلا أن تنمية الجانب التقني منه وجعله أداة نجيد استخدامها بإحكام سيجعل كتابتنا أفضل وأكثر احترافية.

في هذا المقال سنتعرف على:

١- ما هو الوصف الأدبي؟

٢- ما الذي يجب أن نصفه ومتى نتوقف؟

٣- الفرق بين الوصف الجيد والوصف الرديء.

٤- دور الوصف في التحكم بإيقاع النص.

٥- كيف نستخدم الحواس والمجاز لإثراء النص الأدبي.

ما هو الوصف الأدبي؟

إن الوصف الأدبي هو ما يستخدمه الكاتب لتحويل القراءة من عملية ذهنية مجردة إلى تجربة حسية متكاملة. فهو يحول الأحداث من مجرد سرد إلى صور، وأصوات، وأحاسيس ليحفز المخيلة ويعمق التجربة القرائية.

إن الوصف الأدبي ليس شيئًا ثانويًا ولا يمكن الاستغناء عنه، فهو بأهمية ابتكار الشخصيات، وترتيب الحبكة والأحداث، بل هو في الحقيقة ما يبرز كل هذه الأمور ويعطيها الإخراج النهائي. إنه كالخيط الذي يربط كل عناصر القصة مع بعضها ويوصلها للقارئ. وهو في كثير من الأحيان العنصر الذي يفرق لنا بين القصة الجيدة والرديئة، والقصة المؤثرة والسطحية.

هو ما يجعل القارئ يتعاطف مع شخصية ويكره أخرى، يحزن على موت شخصية ويفرح لأخذ الثأر من أخرى، وهو ما يجعل رواية القصص شديدة التأثير وأكثر قابلية للتصديق من السرد المجرد. هو طريقة لتفسير الانسان أكثر من كونه طريقة لتوصيل المعلومات.

إنه مجرد وصف حيادي للأمور، لا يحاكم أحدًا ولا يأخذ صف أحدهم، يروي لنا القصة كما هي ويسمح للقارئ بالحكم على الأحداث واتخاذ موقفه، وهنا يكمن الاختلاف بينه وبين أنواع الكتابات الأخرى.

ماذا نصف في الرواية؟

لا يعقل أن نصف كل شيء وإلا لأصبحت كل الروايات طويلة دون داعٍ، إذًا ما الذي علينا وصفه؟

يعتمد مقدار الوصف وماهية الموصوف حسب أهميته في القصة. يمكنك أن تصف المنظر خارج النافذة في ثلاثة سطور أو ثلاث صفحات حسب أهميته ومقدار ارتباطه بتطور القصة.

لا تبالغ في وصف التفاصيل ولا تكن بخيلًا على القارئ وابتغ ما بين ذلك سبيلًا. ولكي تحدد مقدار ما تصفه عليك أن تعلم جيدًا ما تريد إيصاله من خلال هذا المشهد وأهميته في القصة كمجمل، وإن علمت أنه لا يضيف للقصة شيئًا فاحذفه تمامًا.

يقال إن الروائي الروسي مكسيم غوركي قد أرسل قصة قصيرة إلى تشيخوف تتضمن كتابة تفصيلية لوصف السماء لحظة المطر، فقال له تشيخوف: "احذف كل هذا الوصف يا عزيزي وقل: أمطرت السماء، لأن كل الناس يعرفون كيف تمطر السماء."

نصيحة تشيخوف كانت في الامتناع عن وصف الأمور البديهية، ولو أننا غيرنا سياق القصة وجعلناها من منظور سكان الصحراء الذين يمرون بفترة قحط في المطر، لكان وصف السماء أثناء انهمار المطر حدثًا مهمًا يستحق الوصف بشكل مطول.

يقول كيرت فونيغت: "ينبغي على كل جملة في الرواية أن تحقق أمرًا من اثنين: إما أن تكشف الشخصية أو تدفع بالحدث". وتضيف عليها بثينة العيسى تأثيث العالم الروائي الذي يجعل العالم الروائي أكثر محسوسية وحضورًا.

يمكن أن يكون الغرض الوحيد من الوصف هو إدخال القارئ للمناخ الروائي. في نهاية الأمر أهمية المشهد يقدرها الكاتب وقد لا يتفق الجميع معه ولا بأس في ذلك.


الوصف والتحكم بالإيقاع:

يصنف ستيفن كينغ مكونات الرواية إلى 3 أمور أساسية:

1. السرد: السرد يسرع الأحداث ويرسم القصة من خلال نقلنا من حدث إلى آخر.

2. الوصف: وهو ما يخلق الحقيقة الحسية لدى القارئ. وعلى عكس السرد فإن الوصف يبطئ الأحداث ويضيف إليها العمق.

3. الحوار: وهو ما يبعث الحياة في الشخصيات.

يستخدم الكاتب المتمرس هده المكونات الثلاثة في صالحة لكي يتحكم بالإيقاع العام للنص. يستخدم الكاتب الوصف لإبطاء القارئ، والسرد يستخدم لإسراع القارئ. والرواية تعتمد على استخدام الأسلوبين بشكل متوازن لإحداث التأثير المطلوب للقارئ بلوغه.

يجبر الكاتب القارئ علي التمهل وامتصاص مشاعر الشخصيات في حين، بينما يطلب منه أن يلاحق السطور ويقلب الصفحات من الإثارة. كلا الأمرين مطلوب لأن الإثارة لن تبرز إن لم توجد لحظات من التمهل، وعلينا بناء العالم الروائي وتوضيحه للقارئ وجعله يرتبط به لكي يهتم لما قد يحدث له.

مثال: "كانت السوق تخلو من الناس بسرعة، والباعة ينهون مساومات اليوم. خضت في الوحل بين صفوف الأكشاك المتلاصقة، حيث يمكنك شراء ديك بري مذبوح للتو من متجر، وآلة حاسبة من المتجر المجاور. شققت طريقي عبر الحشد المتضائل، المتسولون الكسيحون يرتدون طبقات من الأسمال الممزقة، والباعة بسجاجيد الصلاة على أكتافهم، تجار الملابس والجزارون يغلقون متاجرهم. لم أجد أثرًا لحسن."

في هذا المثال يتعمد خالد حسيني إبطاء عملية المطاردة من خلال الوصف الحسي للمكان. ما هي أهمية الوصف هنا؟ إن حشد التفاصيل على هذا النحو يعزز الجو النفسي المشحون وحالة الترقب، كما أنه يعطي انطباع بمرور زمن طويل نسبيًا من البحث.

إن جملة (لم أجد أثرًا لحسن) لن تكون بهذا السطوع لولا الظلال الكثيرة التي جاءت بسبب التفاصيل الوصفية. ولو أن كاتبًا أقل براعة من خالد حسيني لكان سيكتب على الأرجح "بحثت عن حسن طويلًا ولم أجده".


الوصف لا يقتصر على حاسة البصر:

الاحصائيات تشير إلى أن 60% من سكان العالم بصريون ولهذا يعتمد أغلب الكتاب على الوصف البصري للمشاهد. ولكن علينا ألا ننسى أن للبشر حواس أخرى. وخاصة أن الكاتب لديه القدرة على استخدام الكلمات لوصف ما يريد.

سوف يصبح النص أكثر عمقًا عندما تصف: 

الصوت: ضجيج السوق أو خرير الماء.

الرائحة: رائحة المطر أو الخبز الطازج.

الملمس: خشونة الجدار أو نعومة القماش.

الطعم: حلاوة الفاكهة أو مرارة القهوة.

الجمال اللغوي والمجاز:

الوصف هو مساحة الكاتب لإطلاق العنان للخيال واللغة. عبر الاستعارات والتشبيهات يمكن للنص أن يتجاوز حدود الواقع ويترك أثرًا أعمق. هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى باطن.

يستخدم الكاتب المجازات من أجل تعزيز قوة الوصف. لأننا أحيانًا نصل في الكتابة إلى مكان لا يعود فيه التصوير الدقيق للموصوف كافيًا، بل يحتاج الأمر إلى استعارة. من خلال الاستعارة نخلق علاقة بين عنصرين مختلفين لإضفاء تأثير معين، أو لجعل القارئ يرى شيئًا لم يره من قبل.

ويمكن اختصراها في ٤ أنواع رئيسية:

أنواع الاستعارة:

الاستعارة الميتة: وهي التي تم تشربها تمامًا من خلال اللغة المحكية إلى درجة لم نعد نلاحظها. وأصبحت تنتمي إلى اللغة العامية ولا يتم تداولها في الأدب. مثل: (سأموت من الضحك).

الاستعارة المبتذلة: لم تستهلك تمامًا مثل الاستعارات الميتة، ولكنها في الطريق إليها. كانت هذه الاستعارات يومًا جديدة، ولكنها اهترأت من كثرة الاستخدام. ولكن لم يتم امتصاصها تمامًا في اللغة اليومية. مثل: (الهدوء الذي يسبق العاصفة، عنق الزجاجة، أبيض كالثلج...).

الاستعارات الغامضة: تكمن المشكلة في هذه الاستعارات أنه لا توجد فكرة متفق عليها، وهي استعارة لا تؤدي الغرض منها لأن العلاقة المزعومة بين العنصرين غير مفهومة.

الاستعارة الفعالة: وهي تستوجب أمرين، الأول أن تكون مستلهمة من عالم الرواية ذاته، والثاني أن تعمق فهم القارئ للمعنى. إنها جزء من عالم الرواية وليست مجرد استعراض لغوي.

الوصف الرديء: ما الذي يجب تجنبه؟

تحدثنا فيما سبق عن الوصف وكونه أحد أهم العناصر في كتابة القصة، ووضعنا لكم بعض الأمثلة للوصف الجيد. وذكرنا لكم أن الوصف هو ما يميز الرواية الجيدة من السيئة. فما هو الوصف الرديء؟

1- استخدام المترادفات في الوصف:

مثل قول: (لون مبهج ومفرح) أو (لعبة ممتعة ومسلية). لا تضيف المرادفات للجملة شيئًا إذا ما وضعت متتالية، وما أوضحته الكلمة الأولى لن تجعله الكلمة الثانية أكثر وضوحًا لأنهما بنفس المعنى، وقد تفضح المرادفات المتجاورة في الوصف العجز الأدبي في التعبير لدى الكاتب.

2- الترهل الوصفي:

علينا أن نحدد ما هو أساسي وما هو كمالي في النص وما يمكن الاستغناء عنه. والترهل الوصفي هو اللغة الفائضة عن الحاجة والتي لا تضيف إلى النص شيئًا. يمكن أن يُقال له باللغة العامية (حشو) وهو الكثير من الوصف الذي يمكن الاستغناء عنه دون الإخلال بالقصة.

3- الصور النمطية:

الوصف باستخدام الصور النمطية هو أسهل طريقة لجعل القارئ يتوقع مجريات القصة، وهي تشبه الوصف المبتذل الذي يفيض به الأدب والتلفاز والحياة اليومية.

الصور النمطية التي نتحدث عنها مثل زوجة الأب الشريرة، والسياسي الفاسد، والطفل البريء. لا ننكر وجودها في الحياة الواقعية، ولكن إعادة وصفها كما هي باختلاف بسيط في الصياغة دون أن ننظر إليها من منظور آخر يجعلها صورًا نمطية وحسب، وفي أغلب الأحيان يجعل الشخصيات سطحية.

4- إطلاق الأحكام:

ذكرنا سابقًا أن الوصف هو أن تصف الأمور كما هي وتجعل القارئ يكون رأيه الخاص به، لأن إطلاق الأحكام ليس من وظائف العمل الفني، أنت بإطلاق الأحكام تسرق من القارئ حقه الكامل في الاستنباط والربط وصنع العلاقات.

على سبيل المثال لنفترض أنك وصفت الشخصية واتبعت ذلك بقول "هذه الشخصية شريرة". لا يريد القارئ أن تلقمه ذلك بهذه الطريقة، بل يريد منك أن تصف أفعاله وتظهر من خلال الوصف والسرد لماذا هذه الشخصية شريرة دون أن تكتب كلمة شرير.

كما أنك بإطلاق الأحكام تؤثر على نظرة القارئ ويعجز عن رؤية الشخصية دون وصمة الشر التي ألحقتها به.

الخلاصة:

الوصف الأدبي ليس زينة للنص، بل روح تبث فيه الحياة. كلما أتقن الكاتب الموازنة بين الوصف، الحوار، والسرد، أصبح نصه أكثر تأثيرًا وقربًا من القارئ. للموارنة بشكل أفضل تعلم كتابة الحوارات من خلال مقال طريقة كتابة الحوارات في الرواية، وتعلم أيضًا وجهات النظر في الكتابة الروائية من خلال المقال: وجهات النظر في الكتابة الروائية.

كما ننصح بقراءة كتاب الحقيقة والكتابة للكاتبة بثينة العيسى.
كلما تمرّست على الموازنة بين الوصف والحوار والسرد، اقتربت من أن تصبح كاتبًا يترك أثرًا في قلب قارئه.

ابدأ رحلتك ككاتب اليوم

دورة مجانية: حول كتابك من الفكرة إلى المسودة في ٧ أيام

انضم إلى الدورة المجانية عبر البريد الإلكتروني وتعلّم خطوة بخطوة كيف تنتقل من فكرة بسيطة إلى أول مسودة حقيقية خلال أسبوع واحد فقط.

لا تحتاج خبرة سابقة، ولا وقت طويل. كل ما تحتاجه هو ١٠–٢٠ دقيقة يوميًا.

الأسئلة الشائعة عن الوصف الأدبي

1. ما هو الوصف الأدبي في الرواية؟
الوصف الأدبي هو تحويل النص إلى تجربة حسية عبر الكلمات، بحيث يرى القارئ المكان والشخصيات ويتخيل أصواتهم ومشاعرهم.

2. لماذا يعتبر الوصف الأدبي مهمًا في السرد؟
لأنه يخلق الجو العام للقصة، ويعمّق فهم القارئ للشخصيات والأحداث، ويجعل النص أكثر تأثيرًا وواقعية.

3. ما الفرق بين الوصف الجيد والوصف الرديء؟
الوصف الجيد يعزز القصة ويضيف معنى جديدًا، بينما الرديء يعتمد على الحشو، المترادفات المتكررة، أو الصور النمطية المبتذلة.

4. هل يجب أن نصف كل التفاصيل في النص؟
لا، الأفضل هو وصف ما يخدم القصة ويضيف إلى تطور الشخصيات أو الحبكة، وتجنب الوصف الزائد غير الضروري.

5. كيف يساعد الوصف الأدبي في التحكم بإيقاع الرواية؟
الوصف يبطئ إيقاع القراءة ويمنح القارئ فرصة للتأمل، بينما السرد يسرّع الأحداث. التوازن بينهما يخلق تجربة متكاملة.

6. هل يقتصر الوصف الأدبي على حاسة البصر؟
لا، يمكن توظيف جميع الحواس: السمع، الشم، اللمس، والتذوق، مما يجعل النص أكثر ثراءً وحيوية.