اعترافات حجر: قصة رمزية عن الضغط والدراسة في كلية الطب
نص رمزي قصير يحكي رحلة طالب طب في نفق الدراسة الطويل، حتى لحظة الانكسار حيث يصبح الحجر مرآة لنفسه وإحباطاته.
قصص قصيرة
مآرب قستي
9/26/20251 دقيقة قراءة


كان الارتطام قاسياً. أشعر بالخدر في أطرافي. قبل ساعات كنت أملك القوة لأحمل 20 كيلو في اليد الواحدة، أما الآن فبالكاد أحرك طرف إصبعي. اكتسى جسدي الكثير من الرضوض الموجعة، والصفير في أذني أفقدني حواسي الأخرى. هذا كان حال جسدي، أما قلبي فقد كان ممزقاً.
تعرضت للتنمر منذ صغري، كانوا ينادونني ذا المحجر الثنائي لأني كنت أرتدي نظارات طبية. ينتشلونها من بين يدي ويحطمونها إلى أشلاء، وأضطر للتعامل مع تقريع الأساتذة عندما لا أحسن القراءة، ومن ثَم أعود للمنزل وأوبخ من والدي لأني أضعت نظارتي غالية الثمن مرة أخرى.
لكن على خلاف كل مرة، كان الأمر أشد وقعاً من ذلك بكثير. أخبروني أن الهدف يقبع آخر النفق. كل ما عليك فعله هو قطعه حاملاً الأمل بين يديك. حملت الأمل والتفاؤل، وبين الحين والأخر اضطررت لحمل الأسف، كل ذلك على منكبيّ. احتملت ثقلهم ووثقت بنفعهم. قاسيت البرد والقيظ، القيام والعثرة، الجوع والعطش. على أمل أن أجد أخر النفق ما يرضي حثيثي.
المفاجأة كانت عندما وصلت لأخر النفق. كان ألد أعدائي يقف بانتظاري أخر النفق. ما إن كست الشمس الأرجاء بضوءها الدافئ، حتى باغتني من الخلف بصقعةٍ على مؤخرة رأسي أطاحت بي وبآمالي واصطدمت عندها بقسوة الواقع.
وقع آخر النفق على منحدر، رُمي بي من أعلاه وسقطت مرتطماً بالأرض، تكسرت، ومعها تهشمت كل طموحاتي. وكل ما سعيت نحوه يوماً قد انتهى في ومضة عين.
فقدت وعيي لفترة وعندما استيقظت تفحصت الأرجاء ولم أجد سوى حجرة وأكوام من الرمال. وأيقنت أن هذه الحجرة هي ونيسي الوحيد حتى آخر لحظات عمري. فهذه لابد أن تكون النهاية.
كانت الصخرة مسلية للغاية، وأوفت بواجبها كرفيق احتضار على أكمل وجه. أخبرتني عن قصتها مع الكلاب. يستنشقون الغبرة النافذة منها ويلعقون سطحها بكل وقاحة. حدثتني عن الحشرات. يستعملونها للاختباء وإذا ما انقضت حاجتهم لا يكون لها منهم لا جزاءً ولا شكوراً. لكن أسوأهم كانوا البشر. يلتقطونها دون حرص ويقذفونها لأعماق البحر، يدحرجونها على المنحدرات، يركلونها إن اعترضت طريقهم، يدفنونها في أعماق التربة وهي حية، ويلبسونها جرائم قتل لم تفتعلها. اتخذ البشر من الأسود الشرسة والضباع الضارية حيوانات أليفة، ولكن لم يخطر ببالهم أن يسلموا الحجر القليل من عطفهم.
لأول مرة في حياتي رأيت بعيني حجرة تذرف الدموع. بكت وأبكتني معها، بكاءً يصاحبه النشيج وتعتصره الحرقة. عندها أدركت، الهدف الذي استوطن آخر النفق والذي رماني بالحجر كان (الطب)، والنفق الطويل كانت (سنين الدراسة)، وما كنت أحمله هو (عبئ الدراسة)، وأما الحجرة فقد كانت تمثلني بكل إحباطاتي وعجزي.
ابتسمت بأسى بعد أن اتضح كل شيء ومن ثمَ لفظت آخر أنفاسي.

انضم إلى قائمة القرّاء المميزين
قصة قصيرة جديدة أسبوعيًا
لمحات من وراء الكواليس أثناء كتابة القصص
هدايا وملفات مجانية للقراء الأوفياء
محتوى ممتع، مختصر، وخالٍ من الإزعاج.
نلتزم بعدم مشاركة بريدك مع أي طرف ثالث. يمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت
© 2025 MaribBlogs – جميع الحقوق محفوظة.