في زمن يتقدّم فيه
الطب بخطى متسارعة، هل يمكن أن تصبح أدوات التشخيص أكثر وعيًا من صاحبها؟
تخيّل لو امتلكت السماعة
الطبية القدرة على كشف ما يخفيه الجسد... لا الأمراض فقط، بل الخطايا، النوايا، والمشاعر.
فهل سيكون ذلك نعمةً تُنقذ الأرواح؟ أم نقمةً تهزّ إنسانية المهنة؟
سوف تصبح أكثر
الأطباء مهارة في الكوكب. سوف تنصت لما يكنه المريض في صدره من شكوى وتجيبه
بالعلاج دون أن ينبت بحرف.
وربما يبث لك جسده
باسم الخلية التي تعطلت وتكتشف لمرضه الشائع علاجًا جديدًا يستهدف هذه الخلية.
وإن أصاب المريض
الخرف، أو توقف عن الكلام بسبب سكتة دماغية شلت أطرافه وأثقلت لسانه. سوف يأتي
أهله وهم يكررون "لقد أصابه الوهن وتوقف عن الطعام، ولكننا لا نعلم ما به فهو
لا يشكي".
عندها تأتي
بسماعات طبية خارقة وتضعها على صدره لتكشف ما قد غاب عن أهله، وتصبح في أعينهم
كالساحر. تعالج رغم شح المعلومات.
ولكن تبدأ المشاكل
بعد أن تُبث الشائعات وتتسرب أسرار السماعات من أيدي الأطباء وتصل إلى عامة الناس.
سوف يبدأون بإحالة
صدورهم وأجسادهم خشيةً من انكشاف أسرارهم. يتجنبون المستشفى ليس خوفًا من التشخيص،
بل من الفضيحة.
سوف تصبح لمسة
السماعات أكثر رعبًا من شكة الابر. خاصة عند المحيد عن السراط منهم.
أؤلئك المرضى
الذين لا يريدون أن تعرف السر الحقيقي وراء أعراضهم التي دفعتهم لزيارة المستشفى.
أحيانًا يكون
السبب واضحًا ويُقال على لسان المريض بكل وضوح.
مثل المريض الذي
امتنع عن تناول علاجات السكر والضغط جهلًا وإهمالًا، مما تسبب في مشاكل كلوية لا
رجعة فيها، وقد اقترب الآن من مرحلة الغسيل.
أو العدوى التي
اكتسبها أثناء أدائه لمناسك العمرة، وعلى اثرها اصابه التهاب صدرٍ حاد يستدعي
رعاية عاجلة في العناية المركزة.
ولكن يأتي بين
الحين والآخر مريض يأبى أن يفصح عما يفعل، مخافة من أهله الذين يجتمعون حوله
والقلق يعلو ملامحهم، أو مخافة من أن يردعهم القانون عن أفعالهم ويزجهم في زنزانة.
مثل المريض الذي
أتى ليشكو من القيء المستمر. بدأ بتقيّؤ ما يأكله، ومن ثم توقف عن الأكل وأصبح
يتقيأ ما في جوفه من عصارة الهضم والدم.
أتى يأسًا يطلب
منك أن توقف ما أصابه من سقم بما آتاك الله من وسائل. ولكنه لن يخبرك أنه كان
نتيجة تناوله للأدوية المنشطة والمسكرات.
تخيل أن تسمع من
خلال سماعاتك الشتيمة التي لم يطلقها علنًا رغم عدم استحقاقك لها.
أو أن تكتشف أسرار
البيوت التي تستاء منها بشدة ولا يسعك القيام بشيء
قد نصل لمرحلة
يتوقف الطبيب فيها عن الفحص خوفًا من أن يكتشف ما لا يُحمد معرفته. أو يهجر السماعة
ويعتمد على النظر والحدس.
يصبح في صراع
أخلاقي ما بين أن يعطي المريض حقه في الفحص والرعاية, وأن يمنع نفسه من إلقاء
الأحكام بسبب ما عرفه من خبايا.
ولذلك "لا
تسألوا عن أشياء إن تبدو لكم تسؤكم"
ولكن ماذا لو كان
السؤال هو مفتاح باب رزقك.
0 تعليقات