تلحنا الحاجة للبحث عن أمور ذليلة، أحيانًا في أكثر الأماكن احتقارًا.
نسرق القلم من بين اوراق التمريض الملأ بالجراثيم، والسماعات الطبية من فوق عربات الأدوية التي استخدمها المئات، والمنديل النظيف وإن كان وسط القذارة. كل هذا لأن حاجتنا للشيء تفوّق المنغصات التي تؤدي إليه.
جلس أبطال قصتنا في غرفة استراحة الطبيبات، في مستشفى نعتبرها من أرقى مستشفيات مكة، لأن أي مستشفى توفر غرفة للطبيب بالتأكيد تعطيه وقتًا يستريح فيه. ولا يوجد ما هو أرقى من أن يستريح الطبيب.
قررت غيداء تقضية وقت راحتها في مناقشة مشكلة المسافة بين السرير والحائط، وكيف يمكن للأشياء أن تتسلل وتنساب للقاع دون أن يمنعها أحدهم. فقد وقعت مناديلها القيمة وصعب عليها أن تجلبها دون تحريك معالم الغرفة. وقيمة المناديل اليوم أعلى من العادة ليس بسبب فخامتها، ولا بسبب حجمها، بل بسبب ندرتها.
أما عن سبب اختفاء المناديل. ربما لأن عاملة التنظيف لم تأتي بها، أو لأن أحدهم قد استعجلته الحاجة في استهلاكها سريعًا قبل أن يظهر مخلوق، ويصعب علينا لومه، فلا يستطيع أحدهم أن يتصور ما قد يدفع إنسانًا لاستهلاك علبة كاملة من المناديل في جلسة واحدة في دورة المياه. موقف لا يحسد عليه.
توسطت الشمس السماء، وصار الضحى ظُهرًا. وفي هذا الوقت من اليوم يتوافد الأطباء إلى دورة المياه للوضوء والصلاة.
خرجت آمنة من دورة المياه ويديها تقطر ماءً. وسمعت نقاش غيداء العقيم. تفحصت الفتحة بجانب السرير وقدرت المجهود المتوقع بذله مع النتيجة، فاستسلمت وتركت الأمر للهواء حتى يجففه.
وجلست آمنة بجوار غيداء تناقشها المشكلة القومية التي هددت أمن الغرفة.
خرجت رناد مسرعة من دورة المياه وكأن فهدًا -أو استشاريًا- يلاحقها، ووجدتهم على حالهم، ينظرون للمناديل من الفتحة بجانب السرير ويتناقشون صعوبة الوصول إليها. قالت وهي تتعجب من طريقة تعاملهم مع المسألة: ”لقد تناقشتم الأمر حتى أصبح نقاشكم أكبر من المشكلة، قومي سأقوم أنا بدفع السرير"
قامت غيداء من أعلى السرير، واقتربت آمنة لتساعد رناد في دفع السرير، ومن ثم مالت رناد للأسفل لكي تلتقط المناديل. وكل من في الغرفة يشهد الموقف. رفعت المناديل من على الأرض ووضعتها بحرص فوق السرير، بعيدًا عن الفتحة المؤدية للأرض، والابتسامة تعلو وجهها.
ولكن الابتسامة اختفت فجأة عندما اكتشفت أن المناديل التي عقدوا الآمال عليها عبارة عن كيس صغير يحوي حبتين من المناديل وحسب. رفعتها كمن ينتشل كنزًا... ثم اكتشفت أنه لا يستحق حتى خريطة
لقد كانت المشكلة التي افتعلتها غيداء بالثرثرة أكبر من حجم المنديل الذي وقع. وكذلك حجم معظم الأشياء التي ستسقط من المسافة بين السرير والحائط.
ولهذا كانوا يقولون "لا تجعل من الحبة قبة"
0 تعليقات