بقي القرطاس كما هو


استلمتها وهي تبرق، رغم ظلمة المواقف التي أخرجتها منها. وبإخراجها للشمس أعمى هيكلها السحري الناظرين.

 

كنت مسرورة لأنها أول سيارة امتلكها، وبامتلاكها تملكت بعض الحرية، فهي تركن أمام المنزل لخدمتي، وتحوي متعلقاتي الشخصية التي لا حاجة لي في نقلها كلما خرجت منها. يطلق عليها الناس اسمي وهكذا تُعرف.

 

أخبروني أن اعتبرها من مقتنياتي الثمينة وأن أحافظ عليها، ولذلك بقيت بقراطيسها شهورًا بعد أول استخدام.

 

أزلت الغلاف الداخلي للباب بعد ٤ شهور من الاستعمال، بعد أن أخبروني أن الشمس قد تذيبه، وأزلت القرطاس للمقعد الذي بجانب السائق بعد ٦ شهور عندما أصبح لدي من يرافقني في مشاويري، ولكن قرطاس المقاعد الخلفية بقي كما هو.

 

شيئًا فشيئًا بدأت آثار الزمن تظهر عليها رغمًا عني وعن حرصي

تجمعت الغبرة حول الأسطح وبين الثنايا، بدأت وجباتي الخفيفة تخلف بعض الفتات. وأصبحت تعبر عني وعن حياتي اليومية أكثر وأكثر مع كل استخدام.

 

في إحدى الايام الثقيلة على الروح قررت الخروج للترفيه عن نفسي، اتبضع الكتب وأقضي بعض الوقت بعيدًا عما كان يشغلني. كنت على مشارف التخرج من كلية الطب وأمامي امتحانات مصيرية تحتاج مني تركيزًا شديدًا.

 

قضيت وقتي الممتع كما أردت ومن ثم في طريق عودتي، قام أحدهم بحركة متهورة تعبر عن افتقاره للنوم والراحة. في لحظة واحدة تبددت ساعاتي التي قضيتها في صقل قيادتي، والاعتناء بالسيارة.

 

تجاوزت الأمر بعد فترة لكن فعلته قد تركت أثرها الذي لم يمحه حتى اصلاح الورش. لا يدركها العيان العابر، ولكنها ظلت تعاود الظهور مع كل حادثة بسيطة تلتها.

 

عندما أمطرت المدينة بشدة وغرقت الشوارع سقطت البطانة التي كان الصدام يحملها، وعندما حككت الجانب رغمًا عني خرج الجزء الضعيف من السيارة من جديد وكأن الورشة لم تفعل شيئًا. تلت تلك المشكلة مشاكل وكأن الهيكل قد وهن وعجز عن حماية بعضه الآخر.

 

في عصرية يوم آخر وأنا عائدة للمنزل بعد ساعات مضنية من العمل في ممرات المستشفى، قرر أحدهم الالتفاف دون أن ينتبه لمحيطه وأصاب هيكل سيارتي إصابة حفرت معالمها في الباب الخلفي.

 

يومٌ آخر اعتيادي مر عليّ وانتهى بأحد المهملين من متجاوزِ السرعة القانونية بالتعدي على مرآتي الجانبية عندما مر بجواري دون أن يراعي ترك مسافة تمنع الاحتكاك، ومن فرط سرعته لم يستطع التوقف لتدارك الأمر، وعجزت أنا عن اللحاق به، وظللت لشهور بعدها أعدل زاوية المرآة يدويًا كل مرة استخدم فيها السيارة.

 

أصبحت رغم اهتمامي الشديد على السيارة وقيادتي الحريصة في الشوارع امشي بسيارة متضررة الهيكل.

تأملت ما حولي راضية بكل ما حصل وحامدة ربي أن الضرر اقتصر على هيكل السيارة وحسب. ومضت أيامي دون أن يؤثر أيٌ مما حصل لسيارتي على حياتي الشخصية، وكأن لها كيانها المنفصل

ذات يوم نظرت لمرآتي الأمامية بينما أنتظر اخضرار ضوء الإشارة ورأيت قراطيس المقاعد الخلفية كما هي لم يمسها شيء حتى بعد مرور أكثر من سنتين على استخراجي للسيارة وتعرضها لجميع الظروف الخارجية.

 

وأيقنت وقتها أنه مهما حافظت على الشيء فإن لدى الرب أقدارًا يرمي بها حيث شاء.

لم أستمتع بمقاعدي الخلفية كما ينبغي، ولم أستطع الحفاظ على السيارة كما أردت

ولكن سيارتي رغم تعرضها لكل ذلك لازالت سيارة جديدة


 

    إرسال تعليق

    0 تعليقات